فصل: باب العفو في الخطأ وغير ذلك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.باب العفو في الخطأ وغير ذلك:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) رَجُلٌ قَتَلَ رَجُلًا خَطَأً، فَالدِّيَةُ بَيْنَ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ كَسَائِرِ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ هُوَ بَدَلُ نَفْسِهِ فَيَكُونُ تَرْكُهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ فِي الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، وَقَدْ كَانَ فِي السَّلَفِ مَنْ يَقُولُ لَا شَيْءَ لِلْأُخْوَةِ لِلْأُمِّ مِنْ الدِّيَةِ، وَإِنَّمَا الدِّيَةُ لِلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَوَّلُ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَنْسُبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى الظُّلْمِ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيْنَمَا دَارَ عُمَرُ، فَالْحَقُّ مَعَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَيْنَمَا دَارَ الْحَقُّ فَعُمَرُ مَعَهُ»، وَقَدْ صَحَّ رُجُوعُ عُمَرَ عَنْ هَذَا حَيْثُ رَوَى لَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ الْحَدِيثَ كَمَا رَوَيْنَا وَلَا حَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فِي دَمِ الْعَمْدِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْقِصَاصُ، وَلَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ بِالْعَقْدِ وَكَمَا لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الشَّرِكَةِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ عَفْوُهُ فِيهِ، فَإِنْ صُولِحَ الْقَاتِلُ عَلَى مَالِ دَخَلَ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ بَدَلَ نَفْسِهِ فَيَكُونُ تَرِكَةً لَهُ يَقْضِي مِنْهُ دُيُونَهُ وَيَنْفُذُ وَصَايَاهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ، ثُمَّ هُوَ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ فَيَجُوزُ عَفْوُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فِي نَصِيبِهِ كَمَا يَجُوزُ عَفْوُ الْوَارِثِ.
، وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ عَفْوٌ فِي عَمْدٍ وَلَا خَطَإٍ أَمَّا الْعَمْدُ فَلِأَنَّ مُوجِبَهُ لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ فِيهِ وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عَفْوِهِمْ عَنْ الدِّيَةِ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ دِيَتِهِمْ، وَإِنَّمَا وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ لَهُمْ فِي مَحَلِّ حَقِّهِمْ، فَإِذَا لَمْ يُلَاقِ هَذَا التَّصَرُّفُ مِنْهُمْ مَحَلَّ حَقِّهِمْ كَانَ بَاطِلًا.
وَإِذَا عَفَا الرَّجُلُ عَنْ دَمِهِ، وَهُوَ خَطَأٌ ثُلُثُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَازَ عَفْوُهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَيَكُونُ عَفْوُهُ وَصِيَّةً مِنْهُ لِلْعَاقِلَةِ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْ ثُلُثِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْإِشْكَالِ بَيَّنَّاهُ فِي الْوَصَايَا، فَإِنْ كَانَ أَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا تَحَاصَّ أَهْلُ الْوَصَايَا، وَالْعَاقِلَةُ فِي ثُلُثِهِ فَسَقَطَ عَنْ الْعَاقِلَةِ حِصَّتُهُمْ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِ أَصْحَابِ الْوَصَايَا، وَالْوَرَثَةِ يَكُونُ مُؤَجَّلًا عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَهَذَا تِبْيَانُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلَ لَكَانَ الْأَجَلُ سَقَطَ بِمَوْتِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بُدِئَ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ سَائِرِ الْوَصَايَا، وَمِنْ الْعَفْوِ فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِلرِّقِّ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْفُ الْمَيِّتُ، وَلَكِنْ عَفَا بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَطَلَتْ حِصَّةُ الْعَافِي إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ.
إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُ عَفَا عَنْ حِصَّتِهِ، وَالْقَتْلُ خَطَأٌ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا شَيْئًا بِشَهَادَتِهِمَا بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَهُنَاكَ يَنْقُلَانِ حَقَّهُمَا مِنْ الْقِصَاصِ إلَى الدِّيَةِ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدَانِ أَخَذَا طَائِفَةً مِنْ الدِّيَةِ، ثُمَّ شَهِدَا بِذَلِكَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ حَقَّ الثَّالِثِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا، وَقَدْ كَانَ لِلْوَارِثِ الْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُمَا فِيمَا أَخَذَا، وَإِنَّمَا يُسْقِطَانِ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا وَلَوْ لَمْ يَأْخُذَا شَيْئًا حَتَّى شَهِدَا عَلَى الثَّالِثِ أَنَّهُ أَخَذَ مَالًا وَصَالَحَ عَلَيْهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ بِهَا إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُشَارَكَةِ مَعَ الْقَابِضِ فِي الْمَقْبُوضِ وَشَهَادَةُ جَارِّ الْمَغْنَمِ، أَوْ دَافِعِ الْمَغْرَمِ لَا تُقْبَلُ.
وَإِنْ شَهِدَ وَارِثَانِ عَلَى الْمَقْتُولِ أَنَّهُ عَفَا عِنْدَ مَوْتِهِ عَنْ الْقَاتِلِ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَالْعَفْوُ مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِمَا، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى عَفْوِ الْوَرَثَةِ وَهُمْ كِبَارٌ فَأَجَازَهُ الْقَاضِي وَأَبْرَأَ الْقَاتِلَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا ضُمِّنَا الدِّيَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ هُوَ الْمَالُ لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ أَتْلَفَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِشَهَادَتِهِمَا فَيُضَمَّنَانِ عِنْدَ الرُّجُوعِ كَمَا لَوْ شَهِدَا بِالْإِبْرَاءِ عَنْ دَيْنٍ آخَرَ.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ فِي دَمِ الْعَمْدِ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ بِعَيْنِهِ أَنَّهُ أَخَّرَ الْقَاتِلَ الْيَوْمَ إلَى اللَّيْلِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَفْوًا وَلَا مَالَ لَهُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ إسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْ الْقَوَدِ وَالْقَوَدُ الْوَاجِبُ لَهُ فِي حُكْمِ الْعَيْنِ، فَالتَّأْجِيلُ فِيهِ يَكُونُ بَاطِلًا وَلَا مَالَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا بِهَذَا التَّأْخِيرِ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ فَهَذَا عَفْوٌ، وَهُوَ صُلْحٌ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ إسْقَاطٌ لِلْقَوَدِ، وَهُوَ لَا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ فَيَلْغُو التَّوْقِيتُ مِنْهُ وَيَصِحُّ الْعَفْوُ بِالْمَالِ الْمُسَمَّى بِمَنْزِلَةِ الطَّلَاقِ وَذُكِرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَتَلَهُمَا بِالسَّيْفِ فَاسْتَحْيَا بَعْضُ إخْوَتِهَا مِمَّا فَعَلَتْ فَعَفَا عَنْهُ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ السِّكِّينَ فَوَجَأَ بِهِ رَأْسَ إنْسَانٍ فَأَوْضَحَهُ، ثُمَّ جَرَّ السِّكِّينَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَهَا حَتَّى شَجَّهُ أُخْرَى فَهَذِهِ مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَلَيْهِ فِيهَا الْقِصَاصُ إنْ كَانَتْ عَمْدًا وَأَرْشُ مُوضِحَةٍ وَاحِدَةٍ إنْ كَانَتْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ مَحَلِّهِ، فَالتَّوَسُّعُ مُبَالَغَةٌ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ فِعْلٍ آخَرَ وَلَوْ رَفَعَ السِّكِّينَ، ثُمَّ وَجَأَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى اتَّصَلَ، أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ فَهَذِهِ مُوضِحَةٌ أُخْرَى: اُقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْعَمْدِ وَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُخْتَلِفَانِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ وَاخْتِلَافِ الْمُبَاشَرَةِ فَكَأَنَّهُمَا حَصَلَا مِنْ اثْنَيْنِ، ثُمَّ اتِّصَالُ أَحَدِهِمَا بِالْأُخْرَى عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ فَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَيْهِ الْقِصَاصَ فِيهِمَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِأَنْ تَآكَلَ مَا بَيْنَهُمَا حَتَّى اتَّصَلَتْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا قِصَاصَ فِيهِمَا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ فَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بِاعْتِبَارِ السِّرَايَةِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَفِي مَجْلِسٍ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ الْمَحْضَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لَا يَتَحَقَّقُ بِالسَّرَايَةِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ السِّرَايَةُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ فِيهَا لَمْ يَمْتَنِعْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِسَبَبِهَا وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَطَعَ أُصْبُعًا فَشُلَّتْ إلَى جَنْبِهَا أُخْرَى، أَوْ سَقَطَتْ.
وَإِذَا فَقَأَ الرَّجُلُ عَيْنَ الرَّجُلِ وَفِي عَيْنِ الْفَاقِئِ نَقْصٌ، فَالْمَفْقُوءَةُ عَيْنُهُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الشَّلَلِ أَوْ فَوَاتِ الْأُصْبُعِ فِي الْيَدِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هُنَاكَ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي جَانِبِ الْجَانِي، فَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ اسْتِيفَاءِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ فِي جَانِبِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْأَرْشِ بِاعْتِبَارِ تَفْوِيتِ الْبَصَرِ الْكَامِلِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَالْقَدْرُ الْبَاقِي مِنْ الْبَصَرِ مَعَ النُّقْصَانِ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَكُونُ الْوَاجِبُ فِيهِمَا حُكْمُ عَدْلٍ كَمَنْ قَطَعَ يَدًا شَلَّاءَ.
وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَفِيهَا ظُفْرٌ مُسَوَّدٌ لَوْ خَرَجَ لَا يَنْقُصُهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ فِي يَدِهِ لَمْ يُنْقِصْ مِنْ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ شَيْئًا وَمِثْلُهُ لَا يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي بَدَلِهِ كَالصِّغَرِ وَسَوَادِ الْيَدِ أَصْلًا، وَإِذَا ثَبَتَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْأَرْشِ ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ.
وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ مِنْ كَفِّ الرَّجُلِ أَظْفَارَ يَدِهِ فَفِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَا تُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ، وَلَكِنْ يَتَمَكَّنُ فِيهَا نُقْصَانٌ فَيَجِبُ بِاعْتِبَارِهِ حُكْمُ عَدْلٍ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَاجِبَ حُكْمُ الْعَدْلِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَنْبَنِي عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَدَلِ حَقِيقَةً وَلَوْ قَطَعَ مِنْ كَفِّ رَجُلٍ أُصْبُعًا زَائِدًا فَفِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ الْأُصْبُعَ الزَّائِدَةَ نُقْصَانُ مَعْنًى فَتَفْوِيتُهَا لَا يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي الْبَطْشِ، وَإِنَّمَا يُلْحِقُ بِهِ أَلَمًا وَشَيْنًا فِي الظَّاهِرِ بِاعْتِبَارِ الْأَثَرِ فَيَجِبُ حُكْمُ عَدْلٍ بِاعْتِبَارِهِ وَلَا قِصَاصَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ مِثْلُ تِلْكَ الْأُصْبُعِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْبَدَلِ فَبَدَلُ الْيَدِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْأَصَابِعِ الْخَمْسِ أَخْمَاسًا وَلَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ، وَإِنَّمَا الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ كَالثُّؤْلُولِ، وَإِنْ قَطَعَ الْكَفَّ كُلَّهُ، فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْأُصْبُعُ تُوهِي الْكَفَّ وَتَنْقُصُهَا فَلَا قِصَاصَ فِيهَا وَفِيهَا حُكْمُ عَدْلٍ؛ لِأَنَّ هَذَا نَوْعُ شَلَلٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُمَكِّن نُقْصَانًا فِي مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، وَإِنْ كَانَ لَا يُنْقِصُهَا وَلَا يُوهِيهَا فَفِيهَا الْقِصَاصُ وَفِي الْخَطَأِ الْأَرْشُ كَامِلًا؛ لِأَنَّ مَا لَا يُمَكِّنُ نُقْصَانًا فِي مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصِّغَرِ، وَالضَّعْفِ بِسَبَبِ الْمَرَضِ.
وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ مِنْ الْمَفْصِلِ وَبَرَأَتْ وَاقْتَصَّ وَبَرَأَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ، ثُمَّ قَطَعَ أَحَدُهُمَا ذِرَاعَ صَاحِبِهِ مِنْ تِلْكَ الْيَدِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَا سَوَاءً إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: إذَا اسْتَوَيَا يَجِبُ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ قَطْعٌ مِنْ الْمَفْصِلِ فَيُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْوَاجِبُ فِي الذِّرَاعِ بَعْدَ قَطْعِ الْكَفِّ حُكْمُ عَدْلٍ فَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ التَّقْوِيمُ فَلَا يُعْلَمُ بِهِ حَقِيقَةُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَلِ وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

.باب الشهادة في القصاص:

(قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ) إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ضَرَبَ رَجُلًا بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ، فَقَدْ ظَهَرَ بِمَوْتِهِ هَذَا السَّبَبُ وَلَمْ يُعَارِضْهُ سَبَبٌ آخَرُ فَيَجِبُ إضَافَةُ الْحُكْمِ إلَيْهِ، وَالرُّوحُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ مُشَاهَدَةً، وَإِنَّمَا طَرِيقُ الْوُصُولِ إلَى إزْهَاقِ الرُّوحِ هَذَا، وَهُوَ أَنْ يَجْرَحَهُ فَيَمُوتَ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى حَقِيقَةِ مَعْرِفَةِ كَوْنِ الْمَوْتِ مِنْ الضَّرْبَةِ وَمَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ لَا تَنْبَنِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ، وَإِنَّمَا يَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ الْمَعْرُوفِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَضْرِبُهُ وَيَكُونُ صَاحِبَ فِرَاشٍ بَعْدَهُ حَتَّى يَمُوتَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشُّهُودَ هَلْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا لَا فِي الْعَمْدِ وَلَا فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَلَوْ شَهِدُوا بِذَلِكَ كَانُوا قَدْ شَهِدُوا بِمَا يَعْلَمُ الْقَاضِي أَنَّهُمْ فِيهِ كَذَبَةٌ فَكَيْفَ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِالسُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ شَهَادَتُهُمْ وَجَازَتْ إنْ كَانُوا عُدُولًا؛ لِأَنَّهُمْ اعْتَدُّوا فِي ذَلِكَ دَلِيلًا شَرْعِيًّا، وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَرَّرْنَا، وَإِنْ كَانَ بِهَذَا الطَّرِيقِ يَحْصُلُ عِلْمُ الْقَضَاءِ وَيَحْصُلُ لَهُ أَيْضًا عِلْمُ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِالْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ ذَلِكَ بِدُونِ شَهَادَتِهِمْ فَلَا يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ لَمْ يُبْطِلْ شَهَادَتَهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا تَكُونُ قَدَحًا فِيهَا بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى أَنَّ هَذَا ابْنُهُ وَوَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ.
وَإِذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ فَهَذَا عَمْدٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ فَاعِلٍ يَكُونُ قَاصِدًا إلَى فِعْلِهِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي بَاشَرَ الْفِعْلَ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا سَأَلَهُمَا أَتَعَمَّدَ ذَلِكَ، فَهُوَ أَوْثَقُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْعَمْدِيَّةِ، وَإِنْ ثَبَتَتْ بِأَوَّلِ كَلَامِهِمَا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَلَكِنْ لَمْ يَنْقَطِعْ احْتِمَالُ الْخَطَأِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ بَيَّنُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَطَأً كَانَ ذَلِكَ بَيَانًا مُوَافِقًا لِأَوَّلِ الْكَلَامِ فَسُؤَالُهُمَا عَنْ الْعَمْدِيَّةِ لِإِزَالَةِ هَذَا الِاحْتِمَالِ يَكُونُ أَوْثَقَ وَهَكَذَا يُوَثِّقُ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَالْقَاضِي مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَا أَنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ، أَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، أَوْ نُشَّابَةٍ فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ (أَرَأَيْت) لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ذَبَحَهُ، أَوْ شَقَّ بَطْنَهُ بِالسِّكِّينِ حَتَّى مَاتَ أَمَّا كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ الْأَسْلِحَةَ فِي كَوْنِهَا آلَةَ الْقَتْلِ سَوَاءٌ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ طَعَنَهُ بِرُمْحٍ، أَوْ أَنَّهُ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِسَهْمٍ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ رَمَاهُ بِنُشَّابَةٍ، أَوْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْقَتْلِ، أَوْ وَقْتِهِ، أَوْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ مِنْ بَدَنِهِ، فَالشَّهَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ، وَالْمَحَلِّ، وَالْوَقْتِ، وَالْمَكَانِ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ وَلَمْ يُوجَدْ عَلَى كُلِّ فِعْلٍ إلَّا شَهَادَةَ شَاهِدٍ وَاحِدٍ.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا مِنْ مَفْصِلِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ قَطَعَ رِجْلَهُ مِنْ الْمَفْصِلِ، ثُمَّ شَهِدُوا جَمِيعًا أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ، وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي ذَلِكَ كُلَّهُ عَمْدًا فَإِنِّي أَقْضِي عَلَى الْقَاتِلِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ الرِّجْلِ لَمْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ الشَّاهِدَ بِهِ وَاحِدٌ، وَقَدْ ثَبَتَ قَطْعُ الْيَدِ مِنْ الْمَفْصِلِ عِنْدَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَكِنْ قَدْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَمِنْ فِعْلٍ آخَرَ لَمْ يَعْلَمْ فَاعِلَهُ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي إسْقَاطِ الْقَوَدِ وَيَتَوَزَّعُ بَدَلُ النَّفْسِ نِصْفَيْنِ فَيَلْزَمُهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ عَمْدًا فَلَا يَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَاقَرَارُ الْوَلِيِّ حُجَّةٌ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَى الرَّجُلِ شَاهِدَانِ فَلَمْ يُزَكِّيَا؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ فِي الرَّجُلِ لَا تَتِمُّ بِدُونِ عَدَالَةِ الشُّهُودِ فَهُمَا وَمَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ بِهِ وَاحِدًا سَوَاءٌ وَلَوْ زُكِّيَ أَحَدُ شَاهِدَيْ الْيَدِ وَأَحَدُ شَاهِدَيْ الرِّجْلِ لَمْ يُؤْخَذْ الْقَاتِلُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْ الْفِعْلَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَدْلَ مِنْ الشُّهُودِ بِكُلِّ فِعْلٍ وَاحِدٍ وَلَا يُقَالُ قَدْ اتَّفَقَ الْعَدْلَانِ عَلَى الْحُكْمِ، وَهُوَ الْقِصَاصُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ بِالْحُكْمِ إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالسَّبَبِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَنَّهُ قَطَعَ أُصْبُعًا لَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الْأَلْفِ لَهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ نَكَلُوا جَمِيعًا قَضَيْت عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَيْنِ ظَهَرَا بِالْحَجْرِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ طَلَبَ الْوَلِيُّ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَتْ بِفِعْلِهِ السِّرَايَةُ كَانَ ذَلِكَ قَتْلًا فَيَكُونُ حَقُّهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ مَقْصُودًا دُونَ الْأَطْرَافِ، وَقَدْ بَيَّنَّا خِلَافَ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا.
وَلَوْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمَفْصِلِ عَمْدًا، ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا كَانَ لِوَارِثِهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ، ثُمَّ يَقْتُلَهُ، فَإِنْ قَالَ الْقَاضِي لَهُ اُقْتُلْهُ وَلَا تَقْتَصَّ مِنْ يَدِهِ فَذَلِكَ حَسَنٌ أَيْضًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَأْمُرُهُ بِقَتْلِهِ وَلَا يَجْعَلُ لَهُ الْقِصَاصَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ تَوَالَيَا مِنْ وَاحِدٍ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونَانِ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ (أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْخَطَأَ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَبْلَ الْبُرْءِ الْجِنَايَةُ الْأُولَى كَانَتْ مَوْقُوفَةً فِي حَقِّ الْحُكْمِ عَلَى السِّرَايَةِ، فَالْفِعْلُ الثَّانِي يَكُونُ إتْمَامًا لِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ الْجِنَايَةُ الْأُولَى فَيُجْعَلَانِ كَجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ بُرْءٌ فَإِنَّ هُنَاكَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ وَاسْتَقَرَّ حُكْمُهَا بِالْبُرْءِ فَتَكُونُ الثَّانِيَةُ جِنَايَةً أُخْرَى بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ جُعِلَتْ عَلَى نَفْسٍ أُخْرَى وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْجَانِي اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْأَوَّلِ مَا تَوَقَّفَ عَلَى أَنْ يَصِيرَ بِالسِّرَايَةِ فِعْلًا مُضَافًا إلَى شَخْصٍ آخَرَ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِي إتْمَامًا لِلْأَوَّلِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ أَحَدُ الْفِعْلَيْنِ عَمْدًا، وَالْآخَرُ خَطَأً؛ لِأَنَّ بِاخْتِلَافِ صِفَةِ الْفِعْلِ يَخْتَلِفُ الْمُوجِبُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الثَّانِي إتْمَامًا لِلْأَوَّلِ كَمَا إذَا اخْتَلَفَ الْفَاعِلُ، أَوْ مَحَلُّ الْفِعْلِ.
وَإِيضَاحُ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي فَصْلِ الْخَطَأِ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ لَا تَجِبُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَذَا هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَنَّ الْقِصَاصَ يُبْنَى عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْفِعْلِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْفِعْلِ فِي الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ جَمِيعًا مُرَاعَاةُ الْمُسَاوَاةِ فِي صُورَةِ الْفِعْلِ جَمِيعًا فَيَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا إلَى أَنْ يَقْطَعَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ هَذَا الْخِيَارَ بِأَنْ يَأْمُرَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَأَنْ يَتْرُكَ الِاسْتِيفَاءَ بِمُرَاعَاةِ الصُّورَةِ وَهَذَا مِنْهُ اجْتِهَادٌ فِي مَوْضِعِهِ فَعَلَيْهِ أَمْرُهُ بِهِ وَبِهِ فَارَقَ الْخَطَأَ، فَالْمُعْتَبَرُ هُنَاكَ صِيَانَةُ الْمَحَلِّ عَنْ الْإِهْدَارِ لَا صُورَةُ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عَنَّا رَحْمَةً مِنْ الشَّرْعِ عَلَيْنَا، ثُمَّ مَبْنِيٌّ الْعَمْدُ عَلَى التَّغْلِيظِ، وَالتَّشْدِيدِ؛ وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْعَشَرَةُ بِالْوَاحِدِ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ صُورَةِ الْفِعْلِ مَعَ التَّغْلِيظِ أَيْضًا فَيَجُوزُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ وَفِي الْعَمْدِ الْمَقْصُودِ، هُوَ التَّشَفِّي، وَالِانْتِقَامُ وَفِي التَّمَكُّنِ مِنْ الْقَطْعِ، وَالْقَتْلِ جَمِيعًا زِيَادَةُ تَحْقِيقٍ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ وَكَمَا أَنَّ الْقَتْلَ بَعْدَ الْقَطْعِ يَكُونُ إتْمَامًا لِلْفِعْلِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهٍ، فَقَدْ يَكُونُ قَطْعًا لِمُوجِبِ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ الْبُرْءِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَحَلَّ يَفُوتُ بِهِ وَلَا تَصَوُّرَ لِلسِّرَايَةِ بَعْدَ فَوْتِ الْمَحَلِّ فَيُجْعَلُ كَالْبُرْءِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَلِلِاحْتِمَالِ أَثْبَتْنَا الْجَنَابَةَ لِلْأَوَّلِ تَغْلِيظًا لِحُكْمِ الْعَمْدِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلَوْ كَانَتْ إحْدَى الْجِنَايَتَيْنِ خَطَأً، وَالْأُخْرَى عَمْدًا أُخِذَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى خَطَأً فَإِنَّهُ يَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَيُقْتَلُ قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ خَطَأً فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ، وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَال لِجَعْلِ الثَّانِي إتْمَامًا لِلْأَوَّلِ عِنْدَ اخْتِلَافِ صِفَةِ الْفِعْلِ وَمُوجِبِهِ فَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ تَخَلَّلَ بِالْجِنَايَتَيْنِ بُرْءٌ وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ جَانٍ عَلَى حِدَةٍ وَهُمَا جَمِيعًا عَمْدٌ، أَوْ خَطَأٌ، أَوْ أَحَدُهُمَا عَمْدٌ، وَالْأُخْرَى خَطَأٌ أُخِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِنَايَتِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْفِعْلَ الثَّانِيَ مِنْ غَيْرِ الْفَاعِلِ الْأَوَّلِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ إتْمَامًا لِلْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ بُرْءٌ فَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِنَايَتِهِ.
وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَطَعَ تِلْكَ الْيَدَ مِنْ الْمِرْفَقِ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالْقَطْعُ عَمْدٌ فَعَلَى قَاطِعِ الْكَفِّ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ وَعَلَى الْآخَرِ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْتُولًا بِفِعْلَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَمْدٌ مَحْضٌ فَيَلْزَمُهُمَا الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ عَمْدًا، وَالْآخَرُ رِجْلَهُ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ بِقَطْعِ يَدِهِ حَدَثَ فِي الْبَدَنِ آلَامٌ وَبِقَطْعِ الْآخَرِ الْيَدَ مِنْ الْمِرْفَقِ لَا تَنْعَدِمُ تِلْكَ الْآلَامُ، بَلْ تَزْدَادُ، وَإِنَّمَا حَصَلَتْ السِّرَايَةُ لِضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِ الْآلَامِ الَّتِي تَوَالَتْ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ الثَّانِي تِلْكَ الْيَدَ، أَوْ يَقْطَعَ عُضْوًا آخَرَ وَأَصْحَابُنَا قَالُوا: فِعْلُ الثَّانِي بِمَنْزِلَةِ الْبُرْءِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ تَنْقَطِعُ بِهِ سِرَايَةُ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّهُ انْقَطَعَ بِالْبُرْءِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ أَثَرُ الْفِعْلِ وَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاؤُهَا بِدُونِ بَقَاءِ مَحَلِّ الْفِعْلِ إذْ الْأَثَرُ لَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ وَبِفِعْلِ الثَّانِي فَاتَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ وَانْقِطَاعُ السِّرَايَةِ بِفَوَاتِ الْمَحَلِّ أَقْوَى مِنْ انْقِطَاعِهَا بِالْبُرْءِ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ يَحْتَمِلُ النَّقْصَ وَفَوَاتُ الْمَحَلِّ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْصَ بِهِ فَارَقَ مَا إذَا كَانَ فَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الثَّانِي فِي مَحَلٍّ آخَرَ لَا يُفَوِّتُ مَحَلَّ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَالْبُرْءِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْفِعْلَانِ خَطَأً كَانَتْ دِيَةُ الْيَدِ عَلَى الْأَوَّلِ وَدِيَةُ النَّفْسِ عَلَى الثَّانِي عِنْدَنَا، وَالْعَمْدُ، وَالْخَطَأُ فِي هَذَا سَوَاءٌ بِمَنْزِلَةِ الْبُرْءِ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا يَدَهُ عَمْدًا، ثُمَّ حَزَّ الْآخَرُ رَقَبَتَهُ بِالسَّيْفِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ عَلَى الثَّانِي، وَالْقِصَاصُ فِي الْيَدِ عَلَى الْأَوَّلِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ انْزَهَقَتْ عَقِيبَ فِعْلِهِمَا فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّفَاوُتِ فِي صِفَةِ الْفِعْلِ وَلَا فِي مِقْدَارِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِهِ وَجَرَحَهُ الْآخَرُ عَشَرَ جِرَاحَاتٍ نَحْوَ قَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا إذَا مَاتَ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا وَأَصْحَابُنَا قَالُوا: حَزُّ الرَّقَبَةِ قَتْلٌ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوَهُّمَ لِلْحَيَاةِ مَعَهُ فَأَمَّا قَطْعُ الْيَدِ فَقِيلَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَتَّصِلَ السِّرَايَةُ بِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ السَّلَامَةُ فَإِنَّ الْقَطْعَ مَشْرُوعٌ فِي مَوْضِعٍ كَانَ الْقَتْلُ حَرَامًا، وَهُوَ الْقِصَاصُ، وَالتَّعَارُضُ لَا يَقَعُ بَيْنَ فِعْلَيْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُجْعَلُ الْقَتْلُ مُضَافًا إلَى مَا هُوَ مَشْرُوعٌ لَهُ بِيَقِينٍ، وَهُوَ حَزُّ الرَّقَبَةِ وَيَكُونُ هَذَا فِي حَقِّ الْيَدِ بِمَنْزِلَةِ الْبُرْءِ لِتَفْوِيتِ الْمَحَلِّ بِهِ؛ فَلِهَذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ عَلَى الثَّانِي، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ خَطَأً، وَالثَّانِي عَمْدًا كَانَ عَلَى الْأَوَّلِ دِيَةُ الْيَدِ وَعَلَى الثَّانِي الْقِصَاصُ.
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلَا رَجُلًا: أَحَدِهِمَا بِسَيْفٍ، وَالْآخَرِ بِعَصَا وَلَا يَدْرِيَانِ أَيُّهُمَا صَاحِبُ الْعَصَا لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُثْبِتَا بِشَهَادَتِهِمَا سَبَبًا يُمَكِّنُ الْقَاضِيَ مِنْ الْقَضَاءِ بِهِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ عَلَى صَاحِبِ الْعَصَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَلَى صَاحِبِ السَّيْفِ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِشَيْءٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ فِي مَالِهِ، أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ بِقَطْعِ أُصْبُعٍ وَعَلَى آخَرَ بِقَطْعِ أُخْرَى، مِنْ تِلْكَ الْيَدِ وَلَا يُمَيِّزَانِ قَاطِعَ هَذِهِ الْأُصْبُعِ مِنْ قَاطِعِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِفِعْلٍ مُعَيَّنٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ بِدُونِ تَعْيِينِ مَحَلِّ فِعْلِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِمَا بِالْخَطَأِ لَا يَتَمَكَّنُ الْقَاضِي مِنْ الْقَضَاءِ بِالْحُكْمِ بِدُونِ السَّبَبِ.
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ إبْهَامَ هَذَا عَمْدًا وَشَهِدَا عَلَى صَاحِبِ الْإِبْهَامِ أَنَّهُ قَطَعَ كَفَّ الْقَاطِعِ ذَلِكَ عَمْدًا، ثُمَّ بَرِئَ فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ صَاحِبُ الْكَفِّ، فَإِنْ شَاءَ قَطَعَ مَا بَقِيَ مِنْ يَدِ الْقَاطِعِ بِيَدِهِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةَ يَدِهِ وَبَطَلَتْ الْأُصْبُعُ أَمَّا بُطْلَانُ الْأُصْبُعِ فَلِفَوَاتِ مَحَلِّهَا بِالْفِعْلِ الثَّانِي وَأَمَّا ثُبُوتُ الْخِيَارِ لِلثَّانِي فَلِأَنَّ مَقْطُوعَ الْإِبْهَامِ قَطَعَ يَدَهُ الصَّحِيحَةَ وَيَدُ الْمَقْطُوعَةِ الْإِبْهَامِ نَاقِصَةٌ بِأُصْبُعٍ وَفِي هَذَا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ.
وَلَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ جَرَحَهُ سَبُعٌ أَوْ سَبُعَانِ، أَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ، أَوْ جَرَحَهُ عَبْدٌ لَهُ، أَوْ عَثَرَ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَا قِصَاصَ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ الْيَدِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ النَّفْسَ تَتَوَزَّعُ عَلَى عَدَدِ الْجُنَاةِ لَا عَلَى عَدَدِ الْجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَتْلَفُ بِجِرَاحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ يَسْلَمُ مِنْ جِرَاحَاتٍ، ثُمَّ مَا اتَّحَدَ حُكْمُهُ مِنْ الْجِرَاحَاتِ فِي كَوْنِهِ هَدَرًا يُجْعَلُ فِي حُكْمِ فِعْلٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْكُلِّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْإِهْدَارُ، وَإِذَا صَارَ بَعْضُ النَّفْسِ هَدَرًا امْتَنَعَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَيَجِبُ فِيمَا هُوَ مُعْتَبَرٌ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَسَائِلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً وَجَرَحَهُ سَبُعٌ وَجَرَحَهُ عَبْدٌ لَهُ وَجَرَحَ نَفْسَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى قَاطِعِ الْيَدِ رُبْعُ دِيَةِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ مِنْ أَفْعَالٍ أَرْبَعَةٍ مُخْتَلِفَةِ الْحُكْمِ فَإِنَّ جِرَاحَةَ السَّبُعِ هَدَرٌ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِي حَقِّ الْإِثْمِ، وَالْحُكْمِ جَمِيعًا.
وَجُرْحُهُ نَفْسَهُ مُعْتَبَرٌ فِي حَقِّ الْإِثْمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي حَقِّ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبِ الْحُكْمِ وَجُرْحُ عَبْدِهِ لَهُ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ جَمِيعًا إذَا كَانَ عَمْدًا حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ؛ فَلِهَذَا تَوَزَّعَ بَدَلُ نَفْسِهِ أَرْبَاعًا فَيَكُونُ رُبْعُهُ عَلَى قَاطِعِ الْيَدِ خَطَأً.
وَلَوْ جَرَحَهُ سَبُعٌ وَخَرَجَتْ بِهِ قُرْحَةٌ وَنَهَشَتْهُ حَيَّةً وَقَطَعَ رَجُلٌ يَدَهُ وَآخَرُ رِجْلَهُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَعَلَى الرَّجُلَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ السَّبُعِ، وَالْحَيَّةِ وَمَا خَرَجَ بِهِ مِنْ الْقُرْحَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَكُلُّ ذَلِكَ هَدَرٌ فِي حَقِّ الْإِثْمِ وَالْحُكْمِ، وَإِنَّمَا تَتَوَزَّعُ النَّفْسُ أَثْلَاثًا فَيُهْدَرُ الثُّلُثُ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى الرَّجُلَيْنِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَهُ حَجَرٌ وَضَعَهُ رَجُلٌ، أَوْ حَائِطٌ تَقَدَّمَ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ مَعَ جِرَاحَةِ الرَّجُلِ، وَالسَّبُعِ فَعَلَى الرَّجُلِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَعَلَى صَاحِبِ الْحَجَرِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَالثُّلُثُ هَدَرٌ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَلِفَتْ بِمَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: جِرَاحَةِ الرَّجُلِ وَحُكْمُهُ مُعْتَبَرٌ، وَإِصَابَةِ الْحَجَرِ، أَوْ الْحَائِطِ وَحُكْمُ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَيْضًا وَفِعْلِ السَّبُعِ، وَهُوَ هَدَرٌ فَيَتَوَزَّعُ بَدَلُ النَّفْسِ عَلَى ذَلِكَ أَثْلَاثًا.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.